ثلاثي الإغراء..أصابوا الحياة الزوجية في مقتل!
في دراستها الحديثة عن "القنوات الفضائية وعلاقتها بظاهرة الطلاق" تؤكد د. عزة كريم أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة أن "موديلز" الفضائيات وفتيات الفيديو كليب ساهمن في رفع معدلات الطلاق، وآخر إحصائية تؤكد ارتفاع نسبة المطلقات إلى 70 ألف مطلقة في مصر خلال العام 2006.
أكدت د. عزة أن الفضائيات سرقت كثيرًا من الأزواج من زوجاتهم وغيرت أمزجتهم وتطلعاتهم، فبعد أن كان الزوج مقتنعًا بزوجته أصبح الآن يرى نساء جميلات يمارسن حركات مثيرة لا تعرف زوجته كيفية ممارستها؛ وهو ما يدفع الزوج إلى إجراء مقارنة تكون فيها الزوجة بالطبع خاسرة.
وأرجعت د.عزة كريم في حوارها لـ "إسلام أون لاين.نت" السبب في ذلك إلى إحباطات الحياة الزوجية المستمرة وإحباطات الواقع المحيط بالأسرة؛ وهو ما يدفع الزوج إلى البحث عن متعة جنسية كوسيلة للهروب من الواقع.
عدوان من الفضاء
** سألناها بداية كيف تؤثر الفضائيات داخل نطاق الحياة الزوجية؟ وهل من الممكن أن يتغير سلوك الزوجين نتيجة ما يشاهدنه عبر هذه القنوات؟.
حقيقة إن القنوات الفضائية بما يبث فيها من أنماط مستوردة وغريبة عن واقعنا العربي والإسلامي وأغلبها أفكار تتسم بالتفاهة والسطحية وتهدف إلى المتعة والترفيه فقط، أدت إلى حدوث نوع من الاغتراب للشخصية العربية وتسطيح وعي المشاهد. كما تسببت في حدوث انقلاب حاد داخل أفكار ومشاعر الجماهير، وتسببت في نوع من البلبلة الفكرية وساعدت على الخلط بين الحلال والحرام والصواب والخطأ، والأخلاق الحميدة والرذيلة، وأصبح الجمهور العربي يتأرجح بين التضارب الفكري والأخلاقي والسلوكي مع غياب وعي الجمهور العربي بالكثير من السلوكيات والقيم الإيجابية للأسرة عامة والمرأة والرجل بشكل خاص، ومع عدم استعداده لتلقي ما تبثه الفضائيات وفرزه ومعرفة كيفية التحصن ضده. وقد انعكس كل ذلك على العلاقات الأسرية والزوجية، وأصبح الأزواج والزوجات يتخبطون بين ما يعرفونه وبين ما هو قادم من الفضائيات، كما يتخبطون بين خبراتهم الخاصة ورؤيتهم للرجل والمرأة، وبين ما يشاهدونه من نساء يغالين في الحركات الأنثوية، وتبادل الألفاظ والمشاهد الجنسية والعاطفية، وبين ثقافتهم الجنسية الموروثة التي تختلف وتتصادم مع ما يشاهدونه.
وفي خضم المشاكل اليومية التي يعاني منها الزوجان، وكثرة الأعباء الأسرية وصراعات العمل وضغوط الحياة، يزداد بالطبع عمق واتساع الفجوة بين الزوجين وتزيد معها المشاكل والخلافات الزوجية وتكون هذه هي مقدمة للانفصال.
سرقة الأزواج
** ما طبيعة وشكل هذا التأثير التي تحدثه الفضائيات داخل نطاق العلاقة الزوجية وبين الرجل والمرأة كما جاء بالدراسة؟.
استطاعت القنوات الفضائية بما تملكه من إمكانيات هائلة للإبهار وقدرة على جذب الجمهور، وفي ظل حالة من الفراغ داخل الأسرة، استطاعت أن تملأ هذا الفراغ بأغنيات وإعلانات ومضمون هابط سرق كثيرًا من الأزواج ليس فقط من زوجاتهم بل ومن داخل بيوتهم، وطبيعة التأثير تتمثل في تغيير أمزجة وتطلعات الأزواج في حياتهم الزوجية؛ فبعد أن كان الزوج مقتنعًا بزوجته ولا ينظر إلى غيرها أصبح الآن يرى كل ساعة نساء جميلات يمارسن حركات جنسية مثيرة لا تعرف زوجته كيفية ممارستها؛ وهو ما يخلق حالة من عدم الرضا من قبل الزوج تزيد بسببها حدة الخلافات بين الزوجين.
لقد أصبح واقع الزوجة وحياتها بالكامل مهددا، خاصة أن الواقع الذي يعيشه الأزواج يجذبه إلى هذه الفتيات ويجعله غير قانع بجمال زوجته، مع الأخذ في الاعتبار ظروف المرأة التي أرهقتها المشاكل اليومية وإعداد الطعام وتنظيف المنزل، وتربية الأبناء... إلخ، كل هذا يؤثر بالسلب على اهتمامها بزوجها الذي يقارن دوما بينها وبين فتيات الفضائيات العاريات والمثيرات للغرائز، ولا تنتبه الزوجة لنفسها إلا بعد فوات الأوان.
إحباطات الحياة الزوجية
** إذا تعمقنا أكثر في القضية.. فهل من أسباب نفسية أو اجتماعية وراء حدوث هذا التغيير في سيكولوجية الأزواج ليهرب إلى "موديلز" الفضائيات؟.
السبب الأساسي هو الإحباطات الجنسية في الحياة الزوجية؛ فالزوج يكون لديه أفكار وخيالات وتطلعات عن العلاقة الحميمة، وما أن يجتمع بزوجته حتى يجد الواقع مختلفا تمامًا، يجد طموحاته الجنسية قد أصيبت بالإحباط، فيتجه للبحث عن علاقات أخرى، هذا بالإضافة إلى الواقع المحبط الذي يعيشه المواطن العربي بصفة عامة، سواء كان إحباطا سياسيا أو إحباطا اجتماعيا.
مع استمرار التراكم اليومي لهذه الإحباطات يهرب الأزواج من هذا الواقع المر الذي يعيشون فيه إلى عالم آخر يشبعون فيه غرائزهم ورغباتهم ويحقق لهم نوعا من المتعة، ويشجعهم على ذلك فتيات الفضائيات و"موديلز" الإعلانات ونجمات الإغراء، وهو ما يؤدي إلى ظهور علاقات عاطفية وجنسية بديلة لا تتناسب مع جو الأسرة العربية تكون نتيجتها الحتمية الانفصال.
**لكن هل الفضائيات هي الجاني الوحيد لحدوث الانفصال بين الزوجين وحالات الطلاق المتسارعة يوما بعد يوم؟.
بالطبع هناك عوامل كثيرة، لكن هذه الفضائيات فجّرت المشاكل الزوجية الكامنة بين الزوجين؛ وهو ما ساعد على تدعيم مظاهر الخلاف بينهما، وتأثير الفضائيات يكون بشكل غير مباشر؛ فكل ما يعرض من مغريات عاطفية وجنسية، واتجاهات فكرية وتمرد على القيم الراسخة يساعد على اتخاذ قرار الانفصال؛ فالفضائيات تساعد على اتخاذ قرار الانفصال الرسمي في حالة وجود استعداد بين الزوجين لهذا الإجراء.
ومن الأهمية بمكان أن نؤكد على أن تأثير الفضائيات على الحياة الزوجية يزداد كلما كانت الزوجة صغيرة السن وفي بداية الحياة الزوجية، وفي هذه الحالة أغلب قرارات الانفصال تكون من قبل الزوجة التي تتخذ أساليب شرعية وقانونية لإنهاء حياتها الزوجية، وذلك بطلب الطلاق أو الخلع عن طريق المحكمة دون الرجوع للزوج.
إعلانات تسليع المرأة
**هل ترسمين لنا خريطة علمية توضح أثر الإعلانات والفيديو كليب على العلاقات الزوجية؟.
هناك دراسات كثيرة تناولت هذه القضية وقد يصعب حصرها الآن، يكفي أن أذكر لك أن 90% من الإعلانات تستخدم فيها المرأة كسلعة من أجل الترويج لسلع استهلاكية، وسلع لا تكون للمرأة أي علاقة بها، وتؤدي فيها حركات تؤثر سلبًا على المشاهدين بإثارة غرائزهم؛ وهو ما يؤثر على اتجاه الزوج نحو المرأة، وقد يدفعه ذلك للمقارنة بين الفتيات في الإعلان وزوجته بالمنزل، كما يدفع المرأة إلى تقليد الأنثى التي تراها في الإعلانات من ملبس وسلوك يؤثر فيما بعد على احتياجات المرأة ومتطلباتها.
وهناك دراسة حديثة أكدت أن 80% من الإعلانات تركز على القيم الاجتماعية والاقتصادية السلبية، وهذا يعني أن الإعلان يمكن أن يسهم في بث قيم وسلوكيات سلبية قد يكون لبعضها دلالات ومعان جنسية من خلال أسليب التسويق الموجه لفئة من الرجال والنساء؛ أي إن الإعلانات بهذا الشكل تكون معول هدم للقيم الأسرية النبيلة لتغرس مكانها قيما رديئة تؤثر سلبًا على الاستقرار الأسري.
وفضائيات تبيع الهوى
**هذا عن الإعلان فماذا عن أغنيات الفيديو كليب التي تدخل منازلنا دون استئذان؟.
للأسف الشديد معظم أغنيات الفيديو كليب ظهرت في مجتمعاتنا بصورة مخدشة للحياء وجارحة للذوق العام والأخلاق، انظروا إلى أغنيات روبي وهيفا وناسي... إلخ، أصبح العري الفاضح سمة واضحة لهم، ولما يقدمونه من أغان لمطربين ومطربات ابتلي بهم المجتمع الشرقي المحافظ، إن ملابس مطربات الفيديو كليب اليوم كانت تستحي أمهاتنا أن تلبسها داخل غرف نومهن ومع أزواجهن. أصبح الزوج يشاهد يوميا عروضا جسدية عارية داخل منزله، وبطبيعة الحال أصبح للفيديو كليب دور كبير في تفاقم الخلافات الزوجية التي وجدت لها متنفسا وأجواء كانت السبب في إثارة هذه الخلافات؛ فالطلاق يزداد طرديا مع انتشار الأغاني الراقصة والخليعة.
** كيف يتم استغلال المرأة في الفضائيات؟ وهل توجهين اتهامك إلى الفضائيات الغنائية والفنية فقط أم الدرامية أيضا، وما تقييمك للدراما العربية بشكل عام؟.
المرأة في الفضائيات يتم استخدامها كرمز للجنس المكشوف أو الموارب، وفي كثير من الأعمال الفنية التي لا تخرج عن علاقة الخيانة بين رجل وامرأتين أو بين رجلين وامرأة.
فالدراما العربية ساهمت في خلق العديد من الانحرافات؛ فنموذج الراقصة أو الفنانة التي تهرب من بيت الأسرة تحت دعاوى الضغوط الأسرية، وإظهارها بعد ذلك بمظهر القدوة والبطولة، قد أثر في وجدان العديد من الفتيات وحرض على ممارسته في الواقع، كما أن الترويج لمفهوم الحب في الدراما يقوم على التلاقي بين الفتى والفتاة بعيدًا عن الأسرة، والأطر الشرعية عبر الإلحاح الإعلامي.
وتسعى الدراما إلى توطيد العلاقة بين الرجل والمرأة، فتزين الأمر على أنه علاقة شريفة وصداقة حميمة، وإذا وقع المحظور فهو نتيجة طبيعية للمشاعر المتدفقة بين الطرفين. وتركز الدراما على أن هذه العلاقة تستند إلى الحرية الشخصية للطرفين، ولم نسمع قط عن كلمة الزنا أو الزاني والزانية في هذه الدراما بل زين الأمر حتى للمرأة البغي التي تعرض نفسها على الرجال فسميت بائعة هوى.
كل هذا يؤثر شكل واضح على قيم المجتمع وعلى طبيعة العلاقات التي تحكم الرجل بالمرأة والزوج بالمتزوجة، وهذا التأثير تظهر نتائجه في غرس قيم الصراع السلطوي بين الزوجين، وتنمية السلوك الفردي داخ الأسرة وتضارب المصالح المادية والاجتماعية. ناهيك عن خلق صراع الأدوار بينهما.
كما ساعدت الدراما على رفع سن الزواج وزيادة نسب المطلقات لعدم التوفيق في الاختيار والزواج، أو بخلق مقارنات نموذج الزوج والزوجة وشكل العلاقات داخل الفضائيات وبين ما هو واقعي في الحياة الأسرية.
صورة متناقضة للرجل
**إذا كان هذا هو حال صورة المرأة فكيف تصور الفضائيات الرجل وتصرفاته مع زوجته؟.
الفضائيات مسئولة عن إبراز صور متناقضة ومختلفة للرجل ومعاملته وأسلوب الحياة الزوجية فتصوره متسلطًا عنيفًا سهل الخيانة يمارس أساليب الضغط على المرأة، ومنها ما يصور الرجل مثاليا يفيض بالعواطف ويحقق لزوجته كافة متطلباتها؛ وهو ما يدفع الزوجة إلى عمل مقارنة بين ما تراه من مشاعر رومانسية في الفضائيات وبين ما يفعله الزوج معها والذي قد يكون قليل التعبير عن مشاعره لها، وكلتا الصورتين تسبب للزوجة مشاكل فتدفعها للتمرد والإحساس بالظلم من الحياة الزوجية المليئة بالمقارنات الظالمة.
المرأة تشعر أنها في حالة ظلم اجتماعي وعاطفي؛ وهو ما يدفعها إلى اتخاذ أساليب شرعية وقانونية لإنهاء حياتها الزوجية وذلك عن طريق اللجوء إلى المحكمة لطلب الطلاق أو الخلع.
**أخيرا ما هي الحلول التي تطرحها د. عزة كريم لمواجهة هذه المشكلة ووقف هذا النزيف داخل الأسرة العربية؟.
في ظل الاتجاه إلى نظام الخصخصة الإعلامية فإن منطق التجارة أصبح هو الحاكم، وهذه الأغنيات إذا لم تسوق بهذه الطريقة وهذا الأسلوب الرخيص لما صعدت ونجحت كل هذا النجاح؛ فهي في النهاية تجارة وفقط، لا يهم ما هي نوعية السلعة المعروضة للبيع، هل هي حلال أم حرام؛ فالمهم هو الربح والمكسب من وراء هذه الأعمال المخربة للسلوك والأخلاق. ولكن واجبنا يحتم علينا أن نؤكد على أهمية أن تكون هذه الفضائيات نافذة جيدة تطل منها المرأة العربية على العالم، وليس العكس، وقد يكون الحل الأمثل هو مراعاة أخلاقيات الإعلام ومسئولية الإعلام تجاه المجتمع وتنشيط هذه الأخلاقيات من خلال نقابات صحفية ومؤسسات ناشطة في هذا الشأن
منقـــــــ وووووووــــــل